مرکز علمی فرهنگی امام حسین (ع)

تحت اشراف حضرت آیت الله عباس کعبی

الجهاد؛ غزّه؛ الوحده

إنّ وحدةَ الأمّة الإسلامية اليوم—لا على مستوى الشعار والعرض، بل في ميدان الفعل العملي—تتجلّى في إيقاف الإبادة الجماعية الممنهجة في غزّة

سماحه آیت الله الشیخ الکعبی:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ
قال الله تعالى:
«یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذَا لَقِیتُمْ فِئَهً فَاثْبُتُوا وَاذْکُرُوا اللَّهَ کَثِیرًا لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ. وَأَطِیعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِیحُکُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِینَ. وَلَا تَکُونُوا کَالَّذِینَ خَرَجُوا مِنْ دِیَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَیَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا یَعْمَلُونَ مُحِیطٌ»
(الأنفال: ۴۶–۴٧)

إنّ وحدهَ الأمّه الإسلامیه الیوم—لا على مستوى الشعار والعرض، بل فی میدان الفعل العملی—تتجلّى فی إیقاف الإباده الجماعیه الممنهجه فی غزّه. ویشکّل تحرّک أسطول «الصمود» العالمی إلى غزّه مثالًا على مساعی الأمّه وأحرار العالم الشجاعه لاستنهاض الرأی العام وإیصال المساعدات الإنسانیه.

منذ ٧٠٠ یوم تُمطِر على رؤوس أهل غزّه نارًا وحدیدًا. أکثر من ٧٣ ألف شهید ومفقود، وتدمیر ٩٠٪ من المرافق والمنشآت، وملایین المشرّدین؛ لیست هذه أرقامًا فحسب، بل وثیقهً على إحدى أعظم مآسی تاریخ البشریه. ومع ذلک یقف المجتمع الدولی إزاء هذه الإباده البیّنه إمّا عاجزًا، أو لا مبالیًا، أو متواطئًا. والسؤال الجوهری: لِمَ یعجز العالم عن إیقاف آله الجریمه الصهیونیه؟

۱- الفیتو الأمیرکی: إضفاءُ الشرعیه على الجریمه
إنّ الولایات المتحده الأمیرکیه، التی یفترض—بوصفها عضوًا دائمًا فی مجلس الأمن—أن تکون حافظهً للسِّلم العالمی، قد تحوّلت عملیًّا إلى الداعم الرئیس لجرائم الصهیونیه. وکلُّ قرارٍ یُطرَح ضدّ إسرائیل تُجهِضه الولایات المتحده بحقّ النقض. وهذا الفیتو یُشکّل، فی الواقع، ترخیصًا دولیًّا للإباده الجماعیه. وهی ذاتُها «الشیطان الأکبر» و«الطاغوت الأکبر» و«العدوّ الأوّل للبشریه»، إذ ترى مصالحها فی الحرب وإراقه الدماء وتجاره السلاح.

٢. کارتلات السلاح وتروستاته: تجارهٌ دامیه
لقد غدت حربُ غزّه، بالنسبه إلى کارتلات السلاح الغربیه الکبرى وتروستاته، تجارهً فائقهَ الربح؛ فکلُّ قنبلهٍ وصاروخٍ یُلقى على غزّه یدرّ عوائدَ طائله فی خزائن تلک الشرکات. وإنّ صناعهَ السلاح تُعدّ أحد أعمده اقتصاد الغرب، ومن ثمّ فإنّ انتهاءَ الحرب یعنی عند أولئک العمالقه انحسارَ الأرباح وتکبّد الخسائر الاقتصادیه.

٣. خوفٌ أو خیانهٌ لدى بعض الحکومات العربیه والإسلامیه
إنّ شطرًا معتبرًا من الحکومات العربیه والإسلامیه، بدلًا من الدفاع عن فلسطین، قد اندفع إلى تطبیع العلاقات مع إسرائیل. وترى هذه الحکومات أنّ بقاءها مرتهنٌ برضا الولایات المتحده وإسرائیل، وتخشَى سخطَ شعوبها. وقد أفضى هذا الخوفُ أو تلک الخیانهُ إلى الصمت والاصطفاف مع مجرمی الحرب.

۴. صمتُ المجتمع الدولی وجموده
إنّ الرأیَ العامَّ العالمیَّ إمّا واقعٌ تحت هیمنه المنظومات الإعلامیه الغربیه، وإمّا مُلهًى بصناعات ترفیهٍ مصطنعه (الریاضه، السینما، الفضاءُ الرقمی)، أو منغمسٌ فی شؤون المعاش الیومی؛ فیُحالُ بینه وبین إدراک حقیقهِ الفاجعه. أمّا الحکومات فتصمتُ خشیهَ القوى الکبرى. والنتیجهُ: إطلاقُ یدِ إسرائیل لتحویل غزّه إلى مختبرٍ للإباده الجماعیه المنهجیه.

۵. العجزُ البنیویّ فی الأممِ المتّحده
إنّ الأممَ المتحده رهینهٌ لسطوهِ القوى الکبرى؛ لا تمتلک قدرهً تنفیذیه ولا استقلالیهً حقیقیه. وإنّ صمتَها إزاء مجازر الأطفال والنساء والصحافیین فی غزّه یُمثّل صفحهً من أظلم صفحات تاریخ هذه المؤسسه.

۶. محورُ المقاومه: تجسیدٌ للوحده فی المیدان ورجاءُ مظلومی غزّه، لکنه غیرُ کافٍ
تنهض إیران وحزبُ الله وحماس وحرکهُ الجهاد الإسلامی وأنصارُ الله فی الیمن—کلٌّ بحسب طاقته—بجزءٍ من عبءِ المقاومه. غیر أنّه، على الرغم من هذه التضحیات، لم ترتقِ الإجراءاتُ الإقلیمیه بعدُ إلى مستوى یفرض وقفًا کاملًا لإطلاق النار على مُشعِلی الحروب ومجرمیها. ومن ثَمّ فالحاجهُ ماسّهٌ إلى تنسیقٍ عملیّاتیٍّ أوثق، وإلى ضغطٍ شعبیٍّ ودبلوماسیٍّ أوسع.

٧. إلى أین نمضی؟
إذا استمرّ المسارُ الراهن، فإنّ الصهاینه—بدعمٍ أمیرکیّ—سیسعون إلى التطهیر العِرقی والقضاء التامّ على غزّه. غیر أنّ مؤشّرات الأمل جلیّه: صمودُ أهلِ غزّه البطولی، وتنامی النُّفور العالمی من الصهیونیه، وإرهاقُ العسکریین الإسرائیلیین، والتصدّعاتُ الداخلیه، وتزایدُ الضغط على نتنیاهو الخبیث ومجرمِ الحرب.

٨_ إجراءاتٌ فوریّهٌ وضروریّه
الجهادُ الدفاعیُّ فی قضیّهِ فلسطین محلُّ اتّفاقٍ بین جمیعِ علماءِ الشیعهِ والسنّه منذ بدءِ احتلالِ فلسطین إلى الیوم. والیوم یتوهّمُ هذا الورمُ السرطانیُّ الخبیثُ امتدادَهُ فی جسدِ الأمّهِ الإسلامیّه إلى بلدانٍ مثل مصرَ والأردنِّ ولبنانَ وسوریا وأجزاءٍ من السعودیّه والعراق. غیرَ أنّ حلمَ «إسرائیلَ الکبرى» المضطربَ لن یتحقّقَ أبدًا.

والیومَ یتعیّنُ وجوبًا قطعیًّا وفوریًّا على آحادِ الأمّهِ الإسلامیّه والدُّولِ والنُّخَب والمنظّمات والهیئاتِ الشعبیّه والفاعلین الاجتماعیّین والسیاسیّین والإعلامیّین أن یدعموا—کلٌّ بقدرِ طاقته—أهلَ غزّهَ المظلومین فی جمیعِ المیادینِ الممکنه. والیوم فإنّ الجهادَ الدفاعیَّ واجبٌ قطعیٌّ وفوریّ على جمیعِ آحادِ الأمّهِ الإسلامیّه فی الدفاعِ عن فلسطینَ ونُصرهِ أهلِ غزّه. وعلى کلِّ مَن استطاعَ عملًا أن یقومَ به وجوبًا.

واجبٌ قطعی و فوری أن ینهضَ جمیعُ آحادِ الأمّهِ الإسلامیّه للدفاعِ عن فلسطینَ ودعمِ شعبِ غزّه. وکلُّ مَن استطاعَ فعلَ ای ما بوسعه فعلیه أن یفعله. واستهداف کل أهداف الصهاینه، فی کلِّ زمانٍ ومکانٍ وبکلِّ وسیلهٍ ممکنه، واجبٌ شرعی  مصداقٌ للجهاد فی سبیلِ الله. والقتلى فی سبیل أداء هذه الفریضه الإلهیّه شهداءُ فی سبیلِ الله. والذین یُقصِّرون عن الجهاد فی سبیل الله فی الدفاع عن شعبِ غزّه المظلوم، واقعون تحت غضبِ الله.
یقول رسولُ الأکرم صلى الله علیه وآله: «المؤمنُ للمؤمنِ کالبُنیانِ المرصوصِ یشدُّ بعضُه بعضًا».
وقال النبیُّ الأکرم صلى الله علیه وآله: المؤمنُ بالنسبهِ إلى المؤمنِ کالبناءِ الرّاسخِ تُثبِّتُ أجزاؤه بعضُها بعضًا.

وبناءً على ذلک یُؤکَّد على الإجراءات العاجله والضروریّه الآتیه:

١. المقاطعهُ الشعبیّهُ والاقتصادیّهُ للبضائعِ والشرکاتِ الداعمهِ لإسرائیل.
٢. حملهٌ إعلامیّهٌ عالمیّهٌ لإیصالِ صوتِ مظلومیّهِ غزّه.
٣. الضغطُ على الحکوماتِ لقطعِ العلاقاتِ السیاسیّهِ والاقتصادیّهِ مع إسرائیل.
۴. الملاحقهُ القانونیّهُ الدولیّهُ للمسؤولینَ الصهاینهِ المجرمینَ وداعمیهم.
۵. وحدهُ الأمّهِ الإسلامیّهِ حولَ محورِ فلسطینَ وإذکاءُ جذوهِ الیقظهِ الإسلامیّه.
۶. زیادهُ دعمِ محورِ المقاومه فی المجالاتِ المالیّه والعملیّاتیّه والاستخباریّه والإعلامیّه، وفی الإغاثهِ الإنسانیّهِ والغذائیّهِ والدوائیّه.

الوعدُ الإلهیّ: النصرُ قریب
قال الله تعالى:
«حَتَّى إِذَا اسْتَیْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ کُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّیَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا یُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِینَ»
(یوسف: ١١٠)

وکما شهدَ الرُّسُلُ نصرَ اللهِ عندَ ذروهِ الیأس، فإنّ علینا الیومَ أن نوقنَ بأنّ وعدَ اللهِ قریب.

ختامًا:
إنّ الإبادهَ الجماعیّهَ فی غزّهَ ثمرهُ تحالفِ الولایاتِ المتّحدهِ وکارتلاتِ السلاحِ وخیانهِ بعضِ الحکوماتِ العربیّهِ وعجزِ الأممِ المتّحده. ولکنّ التاریخَ أثبتَ أنّه لا طاغوتَ یدوم. وطریقُ الخلاصِ فی الوحدهِ والمقاومهِ والإیمانِ بالوعدِ الإلهیّ. فإذا توحّدتِ الأمّهُ الإسلامیّهُ قلبًا وقالبًا، أمکنَها أن تُحوِّلَ هذه المأساهَ إلى منعطفٍ حاسمٍ لانتصارِ الحقِّ على الباطل.

على عهدِنا واقفونَ کالجبال،
وحتّى آخرِ نَفَسٍ فی هذه المعرکهِ العسیره،
کتبْنَا بالعُیونِ والقلوبِ عهدًا وقَسَمًا
ألّا نَفْتُرَ عن المسیر،
وسنبقى أوفیاءَ لِمَبادئِنا.

والسّلامُ علیکم ورحمهُ اللهِ وبرکاتُه

١۵/۶/١۴٠۴

ماهنامه مرکز

ماهنامه شماره ۴۱۹
پیمایش به بالا