هجوم الکیان الصهیونی على الدوحه ــ المدینه التی تستضیف أکبر قاعده عسکریه أمریکیه فی غرب آسیا ــ أثبت أن لا أحد من الحکومات العربیه والإسلامیه فی مأمن بعد الیوم. فقد داس الکیان الصهیونی، بجنون واضح بعد هزیمته النکراء فی “معرکه طوفان الأقصى”، بکل الحدود والاتفاقیات وقواعد اللعبه الدبلوماسیه والقانون الدولی والأعراف الإنسانیه وحتى ما یسمى بـ”حقوق الإنسان الغربیه”، وأظهر فی هجومه الأخیر على الدوحه أن حتى حلفاء أمریکا وإسرائیل والوسطاء لا قیمه لهم عنده.
لقد انتهى عصر الأمن الاستکباری وبیع الأمن أو تأجیره، وانتهى معه زعم الحمایه الأمریکیه لأمن الدول الحلیفه فی المنطقه. هذا التطور کشف، أکثر من أی شیء آخر، استهتار أمریکا بأمن دول المنطقه واحتقارها لهم ودعمها السافر للصهاینه. فالقواعد العسکریه الأمریکیه والاستثمارات الاقتصادیه الضخمه واتفاقیات التطبیع مع إسرائیل، لم تستطع أی منها ضمان أمن الدول العربیه.
المقاومه المسلحه هی الطریق الوحید
الیوم، الضمائر الیقظه والرأی العام العالمی وأبناء الأمه الإسلامیه یدعمون الرد المسلح الحاسم على الصهاینه. مقاومه حماس الأسطوریه والجهاد الإسلامی وحزب الله اللبنانی وأنصار الله فی الیمن والرد الحاسِم للجمهوریه الإسلامیه الإیرانیه، هی الطریق الوحید لخلق الردع.
أقل ما یُتوقع من القمه الطارئه فی الدوحه هو التوافق والدعم الحاسم لجبهه المقاومه. التضامن والتحالف العسکری بین القوات المسلحه للدول الإسلامیه أصبح ضروره تاریخیه وعاجله. رساله القوه والرد الصاروخی الساحق للجمهوریه الإسلامیه الإیرانیه على الاعتداءات الوحشیه للصهاینه، یمکن تکرارها بالتحالف وإراده الدول الإسلامیه.
الثقه بالغرب وشراء الأمن منه سرابٌ ووهمٌ باطل. الصمت والتبریرات المذله أو حتى بیانات الإدانه وحدها سوف تجرّئ الکیان الصهیونی أکثر. الیوم، الرأی العام العالمی، مسلمًا کان أم غیر مسلم، یتوقع ردًا شدیدًا وحاسمًا على جرائم الصهاینه الوحشیه. السکوت على کل هذا الدم والدمار سیکون وصمه عار فی جبین البشریه والحکومات الإسلامیه.
الدفاع الشرعی والرد بالمثل حقٌ مشروعٌ ومحفوظٌ فی القانون والعرف الدولی، کما أنه حکم العقل والشرع. لقد أذن الله تعالى بالقتال والجهاد ضد الصهاینه، ووعده الحق بالنصر لا یُخلف: {أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِیرٌ} (الحج: ٣٩). کما أن رسول الله ﷺ قد بین واجب الأمه والدول الإسلامیه تجاه وحشیه وإباده الصهاینه لمخططهم لتدمیر غزه کلیًا وعدوانهم على لبنان وسوریا وإیران وقطر: «مَنْ سَمِعَ رَجُلًا ینادی یا لَلْمُسْلِمِینَ فَلَمْ یُجِبْهُ فَلَیْسَ بِمُسْلِم». وقال ﷺ أیضًا: «مَثَلُ المُؤمِنینَ فی تَوادِّهِمْ وَتَعاطُفِهِمْ وَتَراحُمِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ؛ إذَا اشْتَکَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى».
فی هذه الظروف، یمکن أن تکون قمه الدوحه نقطه تحول فی التاریخ المعاصر للأمه الإسلامیه. ومن المتوقع أن تتخذ الدول الإسلامیه فی القمه قرارات مصیریه، منها:
– قطع العلاقات الاقتصادیه والأمنیه والسیاسیه مع الکیان الصهیونی بشکل کامل، والخروج من اتفاقات التطبیع مثل “اتفاقیه إبراهیم” فورًا ودون تردد. فالتطبیع مع الکیان الصهیونی خیانه للأمه الإسلامیه ومشروع فلسطین وشعب غزه المظلوم، وهو تهدید لأمن الدول الإسلامیه.
– تشکیل معاهده أمنیه دفاعیه مشترکه لمواجهه عدوان الکیان الصهیونی، واتخاذ الإجراءات التنفیذیه لها على الفور.
– تعزیز التکامل الشعبی والحکومی لدعم مقاومه الشعب الفلسطینی وإنهاء العدوان على غزه.
هذه القرارات لیست ضروریه فقط للدفاع عن أطفال ونساء غزه وإفشال مشروع “إسرائیل الکبرى”، بل هی مرتبطه مباشره ببقاء الأمن القومی ومستقبل الدول الإسلامیه.
الیوم، الخیار بین السکوت المذل أو المقاومه التاریخیه. إذا أظهرت الحکومات الإسلامیه إراده حقیقیه فی الدوحه، یمکن أن تصبح هذه القمه بدایه تحول کبیر لتحالف الأمه الإسلامیه وإعاده بنائها فی المنطقه.
أقل ما یُتوقع من الدکتور بزشکیان، ممثل الشعب الإیرانی المقاوم، هو الإعلان عن استعداد النظام المقدس للجمهوریه الإسلامیه الإیرانیه لتأمین أمن المنطقه فی إطار اتفاقیات دفاعیه مشترکه، ودعمه الحازم لمحور المقاومه وتحالف القوات المسلحه للدول الإسلامیه ضد عدوان الکیان الصهیونی، بصوت مجاهد عالٍ وواضح فی قمه الدوحه. {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاکُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِیرُ} (الحج: ٧٨).
آیه الله الشیخ عباس الکعبی ٢۴/۶/١۴٠۴